يُعدّ الفسفور (Phosphorus) من العناصر الكبرى الضرورية لنمو النبات، فهو يدخل في تركيب جزيئات الطاقة (ATP) والأحماض النووية والدهون الفسفورية، ويؤثر مباشرة في عمليات الانقسام الخلوي والتمثيل الضوئي.
ورغم أن التربة تحتوي على كميات كبيرة من الفسفور الكلي، فإن أقل من 0.1٪ فقط منه يكون في صورة متاحة للنبات (Pi – الفوسفات غير العضوي)، بسبب ارتباطه القوي بالكالسيوم أو الحديد أو الألومنيوم.
تشير دراسة منشورة في مجلة Frontiers in Plant Science عام 2021 بعنوان
“Phosphate-Dependent Regulation of Growth and Stresses Management in Plants”
إلى أن توازن الفسفور في التربة والنبات يمثل مفتاحًا رئيسيًا للنمو الصحي وتحمل الإجهادات البيئية.
أهمية الفسفور وتحدي توفره
-
يتراوح التركيز الأمثل للفسفور المتاح في التربة بين 10 و15 ملغ P/كغ تربة، وهو الحد الذي يسمح للنبات بإكمال دورة حياته بنمو طبيعي.
-
في الزراعة التقليدية، يُضاف الفسفور عادة بمعدل 100 إلى 120 كغ P₂O₅ للهكتار سنويًا لتعويض الفاقد وضمان التزويد الكافي.
-
ومع ذلك، تُظهر الدراسات أن أكثر من 70٪ من الفسفور المضاف في الأسمدة يتحول إلى أشكال غير متاحة بعد فترة قصيرة، مما يستدعي تحسين إدارة العنصر بدل زيادته فقط.
تأثير نقص الفسفور على النمو والتمثيل الضوئي
عند انخفاض تركيز Pi، تنخفض كفاءة النبات في إنتاج الطاقة ونقلها، وتبدأ الأعراض بالظهور على شكل تباطؤ نمو واصفرار أوراق قديمة.
أظهرت نتائج الورقة البحثية أن:
-
معدل التمثيل الضوئي انخفض بنسبة 30.1٪ في فول الصويا، 43.9٪ في القمح، و19.9٪ في الذرة عند نقص الفسفور مقارنة بالحالة المثالية.
-
محتوى الكلوروفيل انخفض بنحو 46٪ في فول الصويا و31٪ في الجَوِّية.
-
الكتلة الجافة للأوراق والجذور انخفضت بمعدل 40–135٪ حسب نوع النبات.
-
في المقابل، زاد امتصاص الفسفور عند توفره بنسبة 56–70٪ في بعض المحاصيل.
دور الفسفور في مقاومة الإجهاد البيئي
يعمل الفسفور كمنظم داخلي لاستجابة النبات للجفاف والملوحة والمعادن الثقيلة والحرارة.
1. الجفاف
– تحت الجفاف، أدى إمداد فول الصويا بالفسفور الكافي إلى زيادة تركيز الفسفور في الأوراق بنسبة 96.8٪ مقارنة بالنباتات ناقصة العنصر.
– كما ارتفع نشاط الإنزيمات المضادة للأكسدة، مما قلل تراكم الجذور الحرة (ROS) وأجّل مظاهر الذبول.
2. الملوحة
– تغذية النبات بـ P ساعدت في الحفاظ على نشاط التمثيل الضوئي وتقليل امتصاص الصوديوم، وإن لم تلغِ تأثير الملوحة بالكامل.
– في الذرة مثلًا، أدى نقص P إلى زيادة امتصاص Na⁺ في الأوراق بمعدلات أعلى من النباتات المغذاة جيدًا.
3. المعادن الثقيلة
– أظهر القمح انخفاضًا في تراكم الكادميوم (Cd) والرصاص (Pb) بنسبة حوالي 55٪ عند توفر الفسفور الكافي.
– أما الذرة فشهدت انخفاضًا بنسب 14٪ للكادميوم، 35٪ للرصاص، و37٪ للزنك.
– كما أدى الفسفور إلى تفعيل الإنزيمات الواقية مثل الكاتالاز (CAT) والبيروكسيداز (APX)، مما يقلل الضرر الخلوي الناتج عن السمّية المعدنية.
4. الحموضة والتربة الفقيرة
– في تربة حمضية (pH أقل من 5.5)، يتحول الفسفور إلى مركبات غير ذائبة مع الألومنيوم والحديد، لكن إضافة Pi بتركيزات معتدلة (10–15 ملغ/كغ تربة) حسّنت الكتلة الحيوية للجذور بنسبة تصل إلى 25٪.
– كما ساهمت الميكروبات الجذرية (مثل Bacillus وPseudomonas) في زيادة ذوبان الفسفور المعقّد وتحسين امتصاصه.
المسارات الجينية المرتبطة بتنظيم الفسفور
تنظيم امتصاص Pi واستخدامه يعتمد على شبكة من الجينات أهمها:
-
PHT1 family: ناقلات الفوسفات المسؤولة عن امتصاص Pi من التربة.
-
PHO1: ينظم نقل Pi من الجذر إلى الساق.
-
SPX: يتحكم في توازن الفسفور داخل الخلايا.
-
GmPHR25 وGmPAP12 في فول الصويا: يرتبطان بتحفيز الامتصاص وزيادة إفراز إنزيمات فوسفاتاز حمضية لتحرير Pi.
هذه الجينات تُفعَّل تلقائيًا عند انخفاض مستوى Pi، وتنسق مع هرمونات الإجهاد مثل الأبسيسيك (ABA) والإيثيلين لتعديل النمو.
ممارسات زراعية لتحسين كفاءة الفسفور
تشير الدراسة إلى عدة حلول عملية يمكن للمزارعين اعتمادها:
-
-
استخدام الأسمدة الفسفورية الذكية (بطيئة التحلل أو نانوية) لتقليل الفاقد وتحسين الإتاحة التدريجية.
-
تطبيق الميكروبات المذيبة للفسفور في التربة، لزيادة الذوبان الحيوي للأشكال غير المتاحة.
-
التسميد الورقي بالفوسفات بتركيز 0.5–1٪ لتحفيز النمو في المراحل الحساسة دون إرهاق التربة.
-
اختيار أصناف نباتية عالية الكفاءة في امتصاص Pi عبر برامج تربية معتمدة على الجينات المنظمة للنقل والتخزين.
-
الاستفادة من “الفسفور الموروث” (Legacy P) المخزون في التربة عبر إدارة أفضل للماء والحراثة والدورة الزراعية.
-
الخلاصة
الفسفور ليس مجرد مغذٍّ نباتي، بل هو محور تكيف واستدامة.
من تحسين النمو والإنتاج إلى تعزيز مقاومة الجفاف والملوحة، يُظهر هذا العنصر دورًا متكاملاً في دعم الزراعة الذكية والمستدامة.
ولأن كفاءة استخدامه لا تتجاوز 20–30٪ من الكميات المضافة سنويًا في كثير من الأنظمة الزراعية، فإن تحسين إدارة الفسفور يمثل أولوية استراتيجية لتحقيق إنتاج مرتفع ومستدام في المستقبل.
المرجع
- Bechtaoui, N., Rabiu, M. K., Raklami, A., Oufdou, K., Hafidi, M., & Jemo, M. (2021). Phosphate-Dependent Regulation of Growth and Stresses Management in Plants. Frontiers in Plant Science, 12, 679916. https://doi.org/10.3389/fpls.2021.679916

